والمساء في الكونتيسة دي نواي؟ هل يفرّق الربيع بين الفتاة تقطف الزهرة لتقدّمها بفمها إلى زوجها الحبيب ليشمّها ويقبل الفم، والبقرة تقطف الورقة لتملأ بها معدتها؟ وأنت أيها الجبل ... كم رأيت من الفواجع التي تفتّت الأكباد وتذيب القلوب، فهل شعرت بشيء منها؟ هل حزنتَ؟ هل تألمتَ؟ أشعَرْتَ يوم عصفَت الأثَرة برؤوس نفر من القُوّاد من ثلاثين سنة فأطفؤوا بأفواههم شعلة السلام وملؤوا العالم ظلاماً، ونزعوا الرؤوس من أكتاف أصحابها ثم نهضوا يبنون من جماجمهم مجدهم في التاريخ، فلما امتلأت الأرض بالجثث وغُسلت بالدموع وتجلببَت بالآلام والأوجاع والثكل واليُتم، ولمّا سهرَت الأمهات يبكين أبناءهن الذين ضاعت قبورهم كما ضاعت أسماؤهم، وعكف الأطفال يهتفون «بابا»، ينادون مَن ليس يُجيب، كان القُوّاد العظماء يحتفلون بالظفر! أشعرت بشيء من ذلك يا أيها الجبل؟ أشعرت بالأرامل والصبايا والأطفال يفتّشون عن الخبز، الخبز الأسود، فلما لم يجدوه توسّدوا رِجلك (رجل الجبل) ونظروا إليك صامتين ثم ماتوا جائعين، كما مات ألوف وألوف في سبيل مجد القوّاد الظافرين (١)؟
وكم رأيت يا لبنان من متع الحب، وكم أوى إليك العاشقون فاستظلوا بظلك وتعانقوا بِحجْرك، وشربوا خمر العيون وسكروا بنجوى الحبّ! أهاج ذلك عاطفتَك يا لبنان؟ أَحرّك قلبك كل ذلك
(١) كان ذلك الوصف للحرب العامّة الأولى لأن المقالة كُتبَت قبل الحرب الثانية.