للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الجبل التيّاه الذي يخطر بحلله الخضراء الزاهية ويتيه بعطره الخالد؟ فأين هو مكان الشعور من الطبيعة؟

وأنت أيها البحر الرقيق السيّال، هل أنت أرهف شعوراً وأرقّ عاطفة؟ أيحزنك منظر البؤس والشقاء وأنت تلتهم الأحياء وتخنق البشر وتفتح فاك لابتلاعهم؟ أأنت ذو الشعور؟ أين هو الشعور؟ وأين أجد العاطفة في الطبيعة؟ أأبتغيها في البركان الهائل المُحرق أم في العاصفة العاتية المدمّرة؟

لقد أيِسْتُ من الطبيعة كما أيِسْتُ من البشر، فلمن ألجأ؟ لمن ألجأ، ويحك يا نفس، وهذا العام يوشك أن يموت؟

فعجزَت النفس ولم تُجِب، وانطلق العقل يتفلسف فقال: إن في الطبيعة لَحِسّاً وتمييزاً. ضع ذرّة واحدة من الفحم وخمساً من الأيدروجين يأخذ الفحم أربعاً ويدع الواحدة، ومهما ضاعفْتَ العدد تبقى النسبة ثابتة، أفليس هذا دليلاً على أنّ الجماد يميز؟ وضَع الذهب بين عشرة معادن وألقِ عليها الزئبق، فإن الزئبق يعانق الذهب ويدع كل ما عداه. أفليس في هذا دليل على أنّ في الجماد عاطفة وشعوراً؟ وانظر لنفسك: إنك لا تحسّ حرارة الجوّ ولا ضغط الهواء إلاّ إذا اشتدّ وزاد، ولكن ميزان الحرارة (التيرمومتر) ومقياس الضغط (البارومتر) يحسّان بهما، أفليس هذا دليلاً على أنّ الجماد أرهف حساً من الإنسان؟

ولكني لم أنتبه لهذا الذي قال العقل. ونظرت إلى البحر فقلت: ما البحر؟ ما الطبيعة؟ أنا لا أرى إلاّ هذا العالم المادّي، ولكن ماذا وراء المادّة من عوالِم؟ إن الروح أول محطّة في

<<  <  ج: ص:  >  >>