للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق هذه العوالِم، فهل استطعنا أن نبلغها؟ إن العقل البشري يمشي إليها منذ بدأ صناعة التفكير، ولا يزال في الطريق لم تَبِنْ له معالمها. إنني أعرف أشياء كثيرة تملأ المكان، ولكن ما هو المكان؟ وحوادث كثيرة على مدى الزمان، ولكن ما هو الزمان؟ فإذا كنت لا أعرف روحي التي أعيش بها، لا أدري ما هي، ولا أدري ما الزمان الذي هو رأس مالي ولا المكان، فما أدبنا وما كتاباتنا، وما سعيُنا وما عملنا؟ ألسنا مثل القافلة التي جُنّ أهلوها فانطلقوا يركضون، لا يعرفون من أين جاؤوا ولا إلى أين يذهبون، ولا يهدؤون إلاّ إذا هدّهم التعب فسقطوا نائمين كالقتلى؟

كذلك نحن إذ نعدو على طريق الحياة نتسابق كالمجانين، ولكن لا ندري علامَ نتسابق. نعمل أبداً من اللحظة التي نفتح فيها عيوننا في الصباح إلى أن يغلقها النعاس في المساء، نعمل كل شيء إلاّ أن نفكّر في أنفسنا أو ننظر من أين جئنا وإلى أين المصير؟ فما الذي استفدتُه من عمري؟

طلبت المجد الأدبي وسعيت له سعيه، وأذهبت في المطالعة حدّة بصري وملأت بها ساعات عمري، وصرمت الليالي الطوال أقرأ وأطالع، حتى لقد قرأت وأنا طالب كتباً من أدباء اليوم مَن لم يفتحها مرّة واحدة لينظر فيها (١). وكنت أرجو أن أكون خطيباً يهزّ المنابر وكاتباً يمشي بآثاره البريد، وكنت أحسب ذلك غاية المُنى


(١) بدأت أقرأ سنة ١٣٣٥ ونحن اليوم في سنة ١٤٠٥، وأنا أقرأ أكثر ساعات ليلي ونهاري، فلو قدّرت لكل يوم مئة صفحة (وأنا في الحقيقة أقرأ أضعافها) لكان مجموع ما قرأت مليونين ونصفاً من الصفحات!

<<  <  ج: ص:  >  >>