للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجبّار العاتي وسمع منه رأى فيه سلطان الشرع فصغر أمامه.

اذكروا موقف عزّ الدين بن عبد السلام مع الملك الأشرف ثم الملك الصالح، اذكروا موقف ابن تيمية مع ملك التتار، اذكروا موقف المنذر بن سعيد مع الناصر الأموي، باني الزهراء وأول من تَسمّى بأمير المؤمنين في الأندلس، الذي كان أعظم ملوك أوربّا في عصره. اذكروا موقف بكار بن قتيبة قاضي مصر مع ابن طولون. اذكروا موقف النووي مع الظاهر بيبرس. اذكروا موقف المفتي زَمْبيلي علي أفندي مع السلطان سليم المخيف الجبّار. اذكروا موقف سفيان الثوري مع المهدي، اذكروا موقف الشيخ سعيد الحلبي مع إبراهيم باشا ... تلك كانت مواقف العلماء (١)، لذلك كان الحُكّام الجبّارون يصغرون أمامهم.

* * *

ولم أبالغ ولم أقل عجباً لمّا قلت إن دمشق صبرت على هذه النكبات كلها وجزعت لمّا سمعت بأن الشيخ بدر الدين قد مات؛ كنّا إذا قلنا «الشيخ بدر الدين» فقط فكأنما نقول العلم والصلاح والسيادة والمكانة التي لا تعلوها في عصرنا مكانة. كنّا نضرب به المثل، فإذا سمعنا ثناء على عالِم جاوز الحدّ نقول: "شو صار الشيخ بدر الدين؟ " لذلك فاجأنا نبأ موته وهزّنا هزّة شديدة.

وطار الخبر في بلاد الشام، فما مضت على موته ساعات


(١) وأكثرها في كتابي «رجال من التاريخ».
... قلت: ولا تنسوا أن تقرؤوا مقالة «صور من تاريخنا العلمي»، وهي في كتاب «مع الناس» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>