للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمشق وفي أكثر المدن الشرقية سوق يجتمعون فيها، وكانت هذه الأسواق مسقوفة تقي سقوفُها ساكنيها والماشين فيها حرّ الشمس وماء المطر. وبين هذه المدرسة وباب الأموي الجنوبي نحو من ستين متراً فقط.

الذي يصعد الأبراج في المدن، كبرج القاهرة وبرج إيفيل في باريس أو المطعم الدوّار في آخن (إكس لاشابيل)، ويضع عينه على المنظار المقرِّب ويوجّهه إلى بقعة من المدينة يراها أمامه واضحة ويبصر صغيرها كبيراً وبعيدها قريباً، ولكن الواقف إلى جنبه لا يرى فيها الذي يراه هو، فكيف أستطيع أن أجعلكم ترون في هذه المدرسة التي لم تعرفوها ولم يسمع أكثركم باسمها، مثل ما أرى أنا فيها؟

عرفتم -ممّا قرأتم من هذه الذكريات- أن الحرب الأولى لمّا انتهت سنة ١٩١٨ كنت في آخر المدرسة الابتدائية. وكانت المدارس عندنا في الشام أصنافاً ثلاثة: مدارس أميرية، ومدارس أهلية، ومدارس نصرانية أجنبية. وعرفتم أن أبي نقلني من المدرسة الأميرية الرسمية إلى مدرسة كان صاحبها الذي يديرها أحد مشايخ التعليم في الشام، هو الرجل الذي لبث يعلّم نحواً من سبعين سنة، الشيخ عيد السفرجلاني. وكان ابن خالتي الشيخ شريف الخطيب صاحب المدرسة الأمينية ومديرها، فخطر لي يوماً أن أنتقل إلى مدرسته، فسألت أبي فقال: جرّب.

وكأنه يعلم أني لن أصبر عليه، لأنه كان نسيبه وكان يعمل معه مديراً للقسم الابتدائي في المدرسة التجارية الكبيرة التي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>