للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي مديرَها العامّ بقسميها الابتدائي والثانوي، وقد أُغلقت كما عرفتم بانتهاء الحرب الأولى.

دخلت مع التلاميذ كأني واحد منهم، ورآني من بعيد فما رحّب بي ولا تجهّم لي. وكانت المدرسة قد تبدّل بناؤها القديم: سرقها الجيران من كل جانب كما سرقوا مئات المدارس في مصر والشام والعراق فجعلوها بيوتاً، وكثيراً ما ترى الآن في دمشق داراً مملوكة وعلى بابها لوحة من الرخام منحوت فيها أن باني هذه المدرسة هو الأمير فلان الفلاني وأنه وَقَف عليها كذا وكذا. فأقام الشيخ شريف دعاوى على هؤلاء الجيران واستردّ المدرسة منهم، وأعاد بناء ما تَخرّب منها بناء حديثاً عادياً لا كالبناء الأصلي.

واختلطت بالتلاميذ وجعلت أكلّمهم، ففزعوا وقالوا: الآن يسمعك حضرة المدير. وأشاروا إشارة خفيّة، فرفعت رأسي فإذا حضرة المدير يُطِلّ من شبّاك صغير في الغرفة العلوية فيرى التلاميذ، وإذا له بين التلاميذ جواسيس يسمّيهم «الخفية»، ومن التلاميذ عرفاء ورؤساء ومراقبون مختفون في الطرق يراقبون التلاميذ، ويرفعون أسماءهم وأخبارهم إلى حضرة ... المدير.

وكان يمشي في ذلك على طريقة الأستاذ عبد الحكيم الطرابلسي، وهو أديب لبق صار -بعدُ- مستشاراً للسفارة السعودية في دمشق أو شيئاً كالمستشار لا أعرف تماماً. وكانت هذه الطريقة التي تُعتبَر أصلاً في تربية الأولاد، طريقة الشدّة والعنف، مألوفة معروفة. وكان المعلّمون يضربون التلاميذ ضرباً أشدّ من ضرب مَن يُقام عليه الحدّ الشرعي، وكان الفلَق (كلمة عربية قاموسية لِما

<<  <  ج: ص:  >  >>