للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت وما سمعت. ولمّا طلب إليّ رأيي تردّدتُ لأنه خالي من الرضاع وهو بسنّ أمي ولا جرأة لي عليه، لكنه أصرّ على معرفة رأيي فقلت له إنه لم يُعجِبني شيء ممّا رأيت أو سمعت. قال: هل تستطيع أن تُعِدّ أنت هذه الحفلة؟ قلت: نعم. وكان قد بقي لموعدها أسبوعان، فترك لي أمر الإعداد كله.

وكان لي صديق كبير السنّ هو المحامي أحمد حلمي العلاف، ذهب إلى رحمة الله كما ذهب الشيخ شريف وأكثر من سيمرّ ذكرهم في هذه الحلقة. وكان هذا الصديق واحداً من أهل الكفايات والمواهب، ولكن الفقر والعزلة يغطّيان على المواهب والكفايات. وكان ضابطاً مُسَرَّحاً من الجيش العثماني، درس الحقوق وصار محامياً، واستأجر غرفة في بناية العابد، أضخم وأفخم بناء حجري في دمشق، بناها أحمد عزت باشا العابد وكانت مقرّ المحامين، ولكنه لم يكن يجد عملاً.

كان يُتقِن العربية والتركية إتقان أديب متمكّن ويُلِمّ بالفرنسية وينظم بعض الشعر، فاستعنت به، وأخذت مسرحية لأبي خليل القباني عنوانها «ناكر الجميل». وبدأنا ننشئ مسرحاً (على قدر الإمكان)، وأنا أعدّل في نصّ الرواية وأعلّم التلاميذ الإلقاء، ويظهر أني كنت بارعاً فيه أُعطي اللهجات حقّها، أتحمّس في موضع الحماسة وألين في موضع اللين وأستفهم في مكان الاستفهام وأُظهِر العجب في موضع التعجّب، أي أنني كنت أحسن الإلقاء والتمثيل، مع أنني لم أرَ في عمري إلاّ رواية واحدة ليوسف وهبي في دمشق ورواية هزلية (كوميدية) لأمين عطا الله الذي كان يقلّد نجيب الريحاني، وهو لبناني الأصل مثله.

<<  <  ج: ص:  >  >>