فهل أستطيع أن أقول إنني قلّدت في الكتابة واحداً منهم ومشيت على أثره وتبعته في أسلوبه؟ هذه كتاباتهم وهذه كتابتي، فما منهم من أشبهَت كتابتي كتابتَه حتى أكون قد قلّدتُه. وكان أهلي علماء ما كان فيهم كاتب إلاّ خالي محبّ الدين، فهل قلّدتُه؟ إن أسلوبه غير أسلوبي، فمن أين إذن جئت بهذا الأسلوب؟ ما عندي عن ذلك إلاّ نصف العلم، ونصف العلم «لا أدري»!
أنا في العادة أخجل فأهضم نفسي حقّها بهذا الخجل، ومن حقّي أن أقول: إن الأسلوب الذي أكتب به والأسلوب الذي كنت أخطب به كلاهما جديد، قلّدني فيه كثيرون وما قلّدت فيه أحداً، وكذلك الأسلوب الذي كان ينظم به أخي أنور العطّار رحمه الله.
أنا لا أنكر أني تأثّرت حيناً بالمنفلوطي وحيناً بالرافعي وحيناً بالمازني، لا سيما في قصّة «سانين»(وهي قصّة سيئة لكاتب روسي ترجمها من قديم عن الإنكليزية ونشرَتها سلسلة روايات «مسامرات الشعب» من أكثر من نصف قرن)، وحيناً بجبران، ولكن هذا كلّه كان عارضاً لم يستمرّ طويلاً. وكنت معجباً أشدّ الإعجاب بالرافعي، ولكن تبدّل نظري إليه وحكمي عليه، وخير ما كتب «تحت راية القرآن» و «وحي القلم»، أمّا ما يسمّيه فلسفة الحب والجمال في مثل «رسائل الأحزان» و «السحاب الأحمر» و «أوراق الورد» فأشهد أنه شيء لا يُطاق، يتعب فيه القارئ مثل تعب الكاتب ثم لا يخرج منه بطائل.
وكنت معجَباً بالزيات، ولا أزال معجَباً به، وإن كان يحسّ القارئ بأنه يَتعب بتخيّر ألفاظه ورصف جُمَله. أما زكي مبارك