فأحسب أنه صاحب أجمل أسلوب، تقرؤه بلذّة ولا تكاد تجد فيه فائدة! ولقد قرأت كتابه «ليلى المريضة في العراق» خمس مرّات، وما فهمت ما ليلى هذه؛ أهي حقيقة أم رمز؟ وهل يصف واقعاً أو يسرد خيالاً؟ ماذا يريد أن يقول، ما عرفت ولا وجدت من عرف. ولكنه -على ذلك- كلام جميل جميل.
وممّن عرفت مَن يكتب المقالة الواحدة في يوم كامل أو في أيام عِدّة، كالرافعي (كما قال عن نفسه في مقالته «دعابة إبليس»)، والزيات كما عرفته لمّا كنت معه. ومنهم من يكتبها في جلسة واحدة، لا يمسح القلم ولا يُعيد النظر في جملة، كالمازني وزكي مبارك في أكثر أحواله. وكان الشيخ علي يوسف صاحب «المؤيّد» يكتب المقالة التي تهزّ البلد أو ترجّ أركان الحكومة وهو يحدّث زُوّاره ويكلّم مَن حوله، و «لكلّ امرئ من دهرِهِ ما تعوّدا».
* * *
لمّا كنت أدرّس الأدب والإنشاء كنت أجد التلاميذ يبدؤون كل موضوع من فوق، من "أشرقَت الغزالة على الدنيا بأشعّتها الذهبية" ... فكنت أقول لهم: ابدؤوا من تحت، من الأرض؛ اكتبوا عمّا ترونه وتُحسّونه، أنا أفضّل الأدب الواقعي على الخيالات والأوهام. فيمتثلون ولكن لا يقتنعون، فكانوا كثيراً ما يسألونني: كيف ندخل في الموضوع؟ كيف تدخلون؟ من الباب! الذي تريد أن تقوله قُله بلا مقدّمات.
كان أبعد ما يطمح إليه الناشئ أن ينشر ما يكتب. ولم يكن ذلك سهلاً، فقد كانت الجرائد (عندنا في الشام مثلاً) أربعاً، كلّ