للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحدة بأربع صفحات صفحة منها للمقالات. فكان المجال ضيّقاً ولكن كان الجائلون فيه قليلين، وفي كتابي «من حديث النفس» فصل عنوانه «أول مقالة نشرتها»، وأنا أكتب هذه الحلقة والكتاب بعيد عني لذلك ألخّص لكم الفصل بكلمة.

كان ذلك على ما أذكر سنة ١٣٤٥، وقد كتبت مقالات كثيرة ثم شققتها ولم أسعَ إلى نشرها. وكيف أنشرها وأنا بطبعي متردّد معتزل؟ بل أنا خجول من الدخول، فإذا صرت بالداخل تبدّل الخجل جرأة. فشجّعت نفسي وحملت المقالة إلى دار «المقتبس»، والمقتبس هي المجلّة التي أنشأها أستاذنا محمد كرد علي في مصر ثم حوّلها جريدة يومية وأقام أخاه أحمد (أبابسام) عليها، وكانت في السنجقدار. فصعدت السلّم وأنا متردّد متهيّب أتشجّع فأُقدِم ثم أفكّر فأُحجِم، أصعد درجة وأقف وأهم بالهبوط ثم أعاود الصعود، حتى صرت فوق، وإذا أنا أمام الأستاذ أحمد كرد علي. فنظر إليّ فرأى فتى في الثامنة عشرة، فرحّب بي ودعاني إلى القعود فقعدت، ونظر إليّ متسائلاً فقلت: عندي مقالة أريد نشرها.

ولم يكن أحدٌ من الشباب ينشر مقالات في الصحف، إنما كان ينشر فيها كتّاب معدودون لا يزيدون. فعجب ومدّ يده إليّ فقمت فدفعت بها إليه، وقعدت وقلبي تُسمَع دقّاته، لقد كنت كالمتّهَم الواقف أمام القاضي لا يدري أيُحكَم عليه بالسجن أم يُحكَم له بالبراءة. وقرأها متمهّلاً وهو يسارقني النظر وأنا قاعد على مثل الحديد المُحمى، ثم قال: عظيم، أنت كتبتَها؟

وكان في سؤاله رنّة الشكّ، كأنه يحسب أني سرقتها أو أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>