ثم وصلوا إلى الخليفة، واستقبلهم في دار الشجرة. وهي شجرة من الفضّة وزنها خمسمئة ألف مثقال (نصف مليون)، وبعضها من الذهب والجوهر، لها غصون وأوراق تميس مَيَسان أغصان الشجر، وعليها أطيار من الفضّة تصفّر وتتحرك بحركات قد رُتّبت لها.
وكان عدد خدم القصر المنبَثّين في الممرّات والدهاليز وعلى السطوح بألبسة عجيبة وزينة بالغة سبعة آلاف خادم، وكان الحُجّاب أكثر من خمسمئة، وكان يوماً من أيام التاريخ.
ومضى الفِلْم، وبدت صورة بغداد وقد اتّشَحَت بالسواد ولبسَت ثياب الحداد.
لقد ماتت بغداد بني العباس وذهب شبابها وامّحَت محاسنها، وخربتها أيدي الوحوش البشرية من جند هولاكو جاءت بهم خيانة الوزير ابن العلقمي، فذلّ الأعزّة من أهلها وانتُهك المصون من أعراضها، وذُبح علماؤها وكبراؤها وأمراؤها، وأُعمِلَ السيف في أهلها أربعين يوماً فبلغ القتلى أكثر من ألف ألف (مليون)، وأُلقيت كتبها في دجلة فاسودّت منها مياهها حيال الضفتين أياماً، وذهب نتاج العقول وحصاد العبقريات وثمرات الأيدي الصَّنَاع، وكانت مصيبة المصائب على الإسلام وأهله، وغدت بغداد خرائب وأطلالاً:
لِسائلِ الدّمعِ عَن بَغدادَ أخبارُ ... فما وقوفُكَ والأحبابُ قد ساروا
يا زائرينَ إلى الزَّوْراءِ لا تَفِدوا ... فما بِذاكَ الحِمى والدّارِ دَيّارُ
تاجُ الخِلافةِ والرَّبعُ الذي شَرُفَتْ ... بهِ المَعالمُ قد عَفّاهُ إقفارُ