للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتنات قصيرات الأعمار. ليلة لم تمحُ الليالي من نفسي ذكراها ولم أستطع أن أنساها؛ لقد ألّفَت هذه الحلقةُ تلك الليلة بين العلم والأدب والشعر والفنّ والنكتة والغناء، وجمعَت بين العراق والشام ودمشق وبيروت، فكان في المجلس كرام أهل كلّ بلد وكبار أهل كل فنّ. وشارك الكون الناسَ في فرحة الشفاء فتزيّن بحُلّة الأصيل المنسوجة بخيوط الذهب، وماست أشجار الغوطة من بعيد دلالاً وهمست الأوراق بدعاء المساء. وكان مشهد لا يُفيد فيه الوصف، لأن مثله لا يُرى إلاّ في دمشق أو في جنان الخلد، ودمشق جنّة المستعجل.

وتحدّث الأستاذ الشيخ بهجة البيطار، وتطارح الأستاذان بهجة الأثري والتنوخي الأشعار، ثم تسلّم المجلسَ الأستاذُ سعدي ياسين، خطيب بيروت، فلم يبقَ لأحد مجال لمقال، وطفقَ يُلقي النكتة إثر النكتة والنادرة تلوَ النادرة، ونحن نُمسك بخواصرنا ونضرب من الضحك بأرجلنا ونمسح دموعنا، وهو لا يكفّ ولا يقف. ففكّرت كم يضيع بيننا من الآداب التي لو دوّناها كما دوّن المتقدمون لكانت لنا منها ثروة هائلة، وحسبك أن ما رواه صاحبنا تلك الليلة وارتجله يملأ كتاباً.

حتى إذا انطفأ مصباح الكون وغابت الشمس ووجب حقّ الله علينا قمنا إلى الصلاة، فأذّن مؤذّن منّا، فلم نفرغ من الصلاة حتى أذّن مؤذّن آخر أنْ حيّ على الطعام. ولمّا فرغنا وامتلأت بطوننا حسبت المجلس سينفضّ وأن القوم قد طعموا فلا بد أن ينتشروا، فإذا المجلس يبدأ، وإذا الشيخ سعدي (رحمه الله ورحم كلّ من ذكرت، فقد مضوا جميعا للقاء ربهم)، إذا هو يقدّم المقدّمات

<<  <  ج: ص:  >  >>