التي كانت تملأ الشارع بطوله وعرضه وكانت تُعَدّ وهي في دمشق شيئاً عظيماً، رجعَت أهوَن على الصحراء من حبّة رمل، وضاعت في أرجائها فلم تَعُدْ تُعَدُّ شيئاً. وكان قد بلغ مني الحزن وحزَّتْ في نفسي لوعة الفراق، فأغمضت عينَيّ ورجعت إلى نفسي.
* * *
وكانت بيدي صورة لنخيل بغداد دُفعت إليّ قبل خروجي من دمشق، فكتبت على ظهرها كلمات ما أدري أهي شعر أم نثر، وما كان يومئذ (سنة ١٩٣٦) هذا الشعر الحديث. ثم أتممت ما كتبت في بغداد وأرسلت الصورة إلى صديقي الأستاذ أحمد عبيد الشاعر، صاحب المكتبة العربية، ونسيتها. فلما زرت دمشق آخر مرّة من خمس سنين (سنة ١٣٩٨هـ) قبل أن يُحال بيني وبينها، دفع إليّ هذه الصورة، ففرحت بها وشكرتُه. وعلى ظهر هذه الصورة كتبت:
أنا ناءٍ عن إخوتي وبلادي ... أنا أشقى في غربتي وانفرادي
أذكُرُ الشامَ في دجى بغدادِ ... فأُحِسُّ الحنينَ يَفري فؤادي