كتبت هذا الكلام في ساعة ضاق بها صدري وأظلمَت فيها نفسي، ولم أُصوّر فيها حقيقة، وإنما وصفت فيها شعوراً. وإذا كان بعض ما تنشره الصحف الآن من كلام ليس في ألفاظه جمال ولا تحتها معنى ولا لها وزن، إذ كان مثل ذلك الهذَر يدْعونه شعراً يكون كلامي هذا الذي قلته من خمسين سنة كاملة، يكون شعراً (١).
* * *
وطال مسيرنا في بادية الشام. ولست غريباً عن البوادي، فلقد عرفتها في رحلتنا تلك إلى الحجاز التي وصفت لكم جانباً منها، وما من ساعة في رحلة الحجاز إلاّ وهي أشدّ من سفرة بغداد، ولكن هذه البادية، بادية الشام، تختلف عن جزيرة العرب؛ ففي جزيرة العرب مناظر متباينة وأراضٍ مختلفة: فيها الجبل وفيها السهل، وفيها الوعر وفيها الرمل، وما في بادية الشام إلاّ شيء واحد لا يكاد يختلف أو يتغير: أرض منبسطة ترابية تمتدّ إلى الأفق كأنها بحر ليس فيه ماء.
(١) هذه الأبيات موزونة كلها ولكنها من بحور متفاوتة؛ أول سطرين من البحر الخفيف، والسطور الثلاثة التالية من المتقارب، والسطر الذي بعدها من المَديد، والشطر الذي يليه من السريع، والسطور الأربعة الأخيرة من الرّمَل (مجاهد).