للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدىً لكِ يا بغدادُ كلُّ قبيلةٍ ... منَ الأرضِ (إلاّ) (١) خطّتي ودِياريا

فقدْ طُفتُ في شرقِ البلادِ وغَربِها ... وسيّرتُ رَحْلي بينَها ورِكابيا

فلَمْ أرَ فيها مثلَ بغدادَ منزلاً ... ولمْ أرَ فيها مثلَ دجلةَ واديا

ولا مثلَ أهليها أرقَّ شَمائلاً ... وأعذبَ ألفاظاً وأحلى معانيا

وكنت أرانا نخاف هذه البادية ونحن على طريق مسلوكة في سيارة متينة، ونملّ من طولها ونحن نقطع منها ثمانين أو تسعين كيلاً في الساعة، ونشكو ومعنا اللحم والفاكهة والماء المثلَّج، ونتعب ونحن مضطجعون على المقاعد الوثيرة ثم إذا وصلنا إلى الفندق نمنا عشر ساعات لنستريح ونستردّ الروح. فأفكّر ... أفكّر في أجدادنا: أيّ ناس كانوا؟ وكيف قطعوا هذه البادية وهم على ظهور الإبل، يخوضون لُجّة الرمل الملتهب، يلتحفون أشعّة الشمس المحرقة، يتبلّغون من الطعام بتمرة ويكتفون من الماء بجرعة، حتى إذا وصلوا لم يضطجعوا فيستريحوا بل قابلوا جيوشاً أوفر عدداً وعُدداً، وحاربوها وانتصروا عليها وفتحوا بلادها، فتحوها للنور وللحقّ وللعدل ولرحمة الله، ما فتحوها ليَغنموا أموالها ويستفيدوا من خيراتها. فأقول: هذا هو فرق ما بيننا وبين أجدادنا!

ولمّا كان ضُحى الغد بدا لنا نخيلُ العراق وأشرفْنا منه على مثل اللّيل؛ فعرفت لماذا سَمّى العربُ السوادَ سواداً (سواد العراق). وجعلت أتشوّق إلى بغداد وأعرض في ذاكرتي صورا


(١) الذي قاله الشاعر هو: حَتّى خطّتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>