للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القناطير وتعدل بثقلها الصخور الجلاميد، ويقذف بها هنا وهناك كما يقذف اللاعب الكرة بقدمه في الملعب.

وإذا هو مرعب حقاً، يُدخِل الروع على أجلد الرجال. وكانت الوجوه كالحة قد ارتسمت عليها سمات الذعر الشديد، والماء يرتفع ثم يرتفع، لم يبقَ بينه وبين الشاطئ إلاّ ذراع واحدة. لقد بلغ ارتفاع المياه -كما قالوا- خمسة وثلاثين متراً وعشرين معشاراً (سنتمتراً). إنه لا يزال يرتفع، لقد حاذى الشاطئ ... إن بغداد في خطر.

وطارت كلمة الخطر على الألسنة ففزع الشعب واهتمّت الحكومة، ووُضع قانون المساعدة الإلزامية، فابتدر الناس الشاطئ واستبقوا إلى العمل، يقيمون السدود ويضعون للمجنون القيود، ولكن المجنون لا يبالي بقيد الذباب ... إنه يقتل أمة منها بضربة واحدة.

إن النمر (ذلك اسم دجلة في الإنكليزية والفرنسية) يقفز في حبسه ويثب. لقد جُنّ، إنه يريد أن يخرج فينبعث في الأرض، يريد أن يمشي إلى هذه الجنّات الظليلة التي طالما أمدّها بالحياة وحمل إليها النعمة، ليحمل إليها هذه المرّة الموت.

وبدأ الصراع بين هذا النمر والإنسان، وأمسى المساء على بغداد وهي قائمة على قدم وساق، ليس فيها مَن يبيع أو يشتري أو يلهو أو يلعب، بل ليس فيها من يَطعم أو يشرب، ليس لها إلاّ غاية واحدة هي النجاة من الغرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>