للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت الأصوات تملأ الجو: هتاف الشباب، وصراخ الجند، وصياح النساء، ونداء الأولاد ... والنهر فوق ذلك كلّه يهدر هديره المستمرّ المرعب فيكون له في هذا الليل دويّ مخيف، والحركة متصلة والشوارع ممتلئة بالناس.

ولكن السلامة توالت، ووقف النهر عن الارتفاع، ولم يقع البَثْق (أي الخرق) الذي كانوا يخشونه. وكان قد تصرّم الهزيع الأول من الليل، فأمن الناس وتفرّقوا إلاّ قليلاً منهم قاموا يحرسون النهر، ودخلوا بيوتهم.

وولجت داري أستريح، فما لبثت أن ذهبت في رقدة عميقة، ورأيت في الحلم المياه تنساب من كل جهة تغنّي أغنية الرعب، تقتلع البيوت ثم تُلقي بها إلى بعيد، وتلج في باطن الأرض ثم تقلبها بما عليها، وتصعّد في الجوّ ثم تنزل كالبلاء المصبوب، ثم انصدع صدع عظيم وهويتُ في قعر الهاوية. ورأيت حولي في الحلم مئات من الحشرات والأفاعي، وسمعت رعداً شديداً ورأيت برقاً ومطراً، ثم عادت السيول تجري تدحرج آلافاً من الصخور ... ففتحت عينَيّ، فإذا الحلم حقيقة، وإذا الصيحة في الحيّ والقيامة قد قامت، وصفّارات الحرس وأبواق الجند تصدح باستمرار، والنساء يولولن ويعدون، والأطفال تبكي وتركض في كلّ مكان، والرجال يصيحون طالبين النجدة. وتبينت وسط الضجّة الكلمةَ الرهيبة: كُسر النهر، النهر انكسر ... وتدفّق سيل العرم!

إن هذا النهر الذي جاء من قمم الأناضول الشاهقة، وسلك

<<  <  ج: ص:  >  >>