للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقدم الناس يسابقون الماء ليقيموا في وجهه السدود، ليقيّدوا هذا النمر الهائج، بحميّة منقطعة النظير وحماسة نادرة المثال. وأقدمت أخوض هذه اللجّة من الناس لأصل إلى هذه اللجّة الطامية من الماء، أمشي في ظُلمتَين: ظُلمة هذا الحشد المزدحم وظلمة الليل البهيم. أتعرض لرهبتَين: رهبة الليل وسواده، والسيل وامتداده. أُصغي إلى لحنَين: لحن الروع على ألسنة الناس، ولحن الهول على لسان النهر. ولم أعُد أخشى شيئاً ... إنها ساعة الخطر.

بُورِكتِ يا ساعة الخطر؛ في ساعة الخطر يعود الناس إخواناً متحابّين، قد خرجوا من أطماعهم وماتت في نفوسهم العداوة والبغضاء، وعاشوا لحظة ما فيها إلاّ التضحية والإخلاص والوئام.

تقدّمت إلى الأمام، ولكن لم أصل إلى شيء لأن الناس كانوا يستبقون العمل يُهرَعون إلى الموت، كأن العمل غنيمة والموت وليمة. وكانوا يصرخون صراخ الحميّة ويهتفون باسم الوطن والمروءة والشجاعة. ومرّت على ذلك ساعة كاملة، والصدع يتّسع والماء يزداد اندفاعاً، فكلّت الأيدي النشطة وجمدت الصيحات والأناشيد على الشفاه، وكاد اليأس يخامر الناس.

هنالك انتبهتُ فإذا أنا أسمع النشيد الذي كنت أصبو إليه وأرتقبه، ليس نشيد الوطن والمروءة والشجاعة ولكنه أجلّ وأقوى، النشيد الذي له قوّة السيل، وعظمة البحر، وبهاء الشمس، وصلادة الصخور. النشيد الذي لا يقوم له شيء، النشيد

<<  <  ج: ص:  >  >>