للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلّ هذا ممّا يؤيد رأي أناتول فرانس في التاريخ؛ فإذا كنت أنا لا أعرف الذي وقع لي فكيف أعرف حقيقة ما كان فيما مضى من الزمان؟! ولي كتاب اسمه «قصص من التاريخ»، آخذ فيه أسطُراً معدودة أو حادثة محدودة، فأُعمِل فيها خيالي وأُجيل فيها قلمي حتى أجعل منها قصة. بدأت بهذا العمل من سنة ١٩٣٠، من حين كنت أشتغل في جريدة «فتى العرب»، والقصص الأولى منشورة في كتاب لي نفد من دهر طويل كان اسمه «الهيثميات».

من هذه القصص ما ذكره المؤرّخون من أن امرأة من دمشق رأت انقسام المسلمين وتقاعسهم عن قتال الصليبيين، وأرادت المشاركة في الجهاد فعملت ما تقدر عليه: قصّت ضفائرها وبعثت بها إلى سبط ابن الجوزي (أي ابن ابنته) خطيب الجامع الأموي في دمشق، ليكون منها قيدٌ لفرس من خيول المجاهدين. ويقول المؤرّخون إنه خطب خطبة عظيمة ألهبَت الدماء في العروق وأسالت الدموع من العيون، وأثارت الحماسة وأيقظت الهِمَم، فلما كتبت القصة على طريقتي ألّفت أنا خطبة قلت إنها التي ألقاها على الناس. وحسب الناس أن هذه هي الخطبة الحقيقية، حتى إن خطيب المسجد الحرام الرجل الصالح الشيخ عبد الله خياط نقل فقرات منها في خطبة الجمعة على أنها خطبة سبط ابن الجوزي!

وكتبت مرّة قصصاً متخيَّلة عن أعرابي صَحِبَنا في رحلة الحجاز، منها «أعرابي في حمّام» و «أعرابي في سينما» و «الأعرابي والشعر»، وكلها في كتابي «صور وخواطر» (١)، قلت في الأخيرة


(١) مرّ خبرها في الحلقة الثالثة والسبعين من هذه الذكريات (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>