للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونشبت الفأس في الرأس، عند ذلك يُحسّون بها. وقد أحسست أنا بالخطر حين أعلنَت وزارة المعارف في الشام سنة ١٩٣٧ عن عزمها ابتعاث طالبَين اثنين للدراسة في فرنسا، أحدهما للرياضيات والآخر للعلوم. ولم تكن البعثات كل عام ولا كل خمسة أعوام، بل كانت قليلة نادرة، فكان الطلاّب يحرصون عليها ويتسابقون إليها.

وكان أخي عبد الغني نابغاً من صغره في الرياضيات، يدهش منه كل من علّمَه من الأساتذة ويفاخر به، كما كان متقدّماً في العلوم، فدخل المسابقة. وكنت أحبّ أن ينجح فيها ولكن ما فكّرت -إنْ نجح- في أمر سفره وحده، وإنما قلت: إن دخولها إن لم ينفع لم يضرّ. ودخلها كثير من الطلاّب، وكانت مسابقة صعبة شاقّة، ولكن الله منّ علينا فكان أخي هو الأول في مسابقة الرياضيات وهو الأول في مسابقة العلوم.

وذلك بفضل الله علينا؛ فلقد كان أبونا فقيهاً في الطبقة الأولى من فقهاء الشام، كما كان من أقدر مدرّسي الحساب، وهي خلّة في أسرتنا موروثة عن جدنا الشيخ محمد الذي قدم الشام من مصر، فلقد كان عالِماً من كبار علماء الدين وكان من كبار علماء الفلك. أمّا امتشاق القلم وركوب صهوة المنابر، ومصاولة الأقران في حلبات الأدب والبيان، فما أعرف في أسرتنا من انصرف إلى شيء منه قبلي. فمن أين جاءني؟ لست أدري.

لقد تقاسمنا أنا وإخوتي الاتجاهَين؛ فكان الغالب علينا أنا وأخي ناجي، القاضي في الشام والمستشار الآن في وزارة الحجّ

<<  <  ج: ص:  >  >>