للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعيد فعرفت عنه وإن لم ألقَه كثيراً. كان نوري رجل الإنكليز وكان يصرّح بذلك ولا يكتمه، وكان يدلّل عليه ويحتجّ له، ويرى أن العراق في تلك الأيام لم يكن ليستطيع القيام على رجليه فضلاً عن السير وحده، وأنه لا بدّ له ممّن يمسك بيده ويعاونه على مسيره، وكان يرى الإنكليز هم الذين يصلحون لذلك.

كانت لنوري مزايا، لا يمنعني أني كتبت عنه وأني هاجمته يوماً أن أذكر مزاياه (١). لقد مات الرجل وصار بين يدَي الله حسابه عليه، وصارت أعماله ملك المؤرّخين يحكمون في الدنيا بها عليه.

يقولون إنه كان جريئاً، يشهد بذلك أصدقاؤه وأعداؤه. ولقد رأيته بعيني يوم قَتْل غازي، الناس كالبحر يموج غضباً وأصواتهم كالرعد تملأ ما بين الضفّتين تطالب برأسه، وقد وصلَت سيارته إلى رأس الجسر من جهة الكرخ وغدَت بين الحشود تحيط بها من كلّ جانب، إن وصلوا إليه قطّعوه تقطيعاً، فلم يكن منه (وأنا أراه من قريب) إلاّ أن أطلق بوق السيارة بزئير قوي ثم اقتحم بها الناس، فخافوا على أرواحهم فأوسعوا له فنَجَا. ولولا هذا ما كان لينجو منهم. فلست أدري: أأسَمّي هذا الذي رأيته بعيني جرأة وإقدام بطل، أم صنيع يائس، أم فعل مجنون؟

وكان كريماً. لمّا كنت مدرّساً في العراق أول سنة قالوا إن له قصراً مقابل البلاط الملكي، على يمين الذاهب إلى الأعظمية،


(١) انظر مقالة «نوري السعيد» في كتاب «بغداد» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>