أراه من بعيد وأنا أمشي في الطريق ما اقتربت منه لأصفه. قالوا إنه لمّا زوج ابنه (وأظنّ أن اسمه -إن صدَقَتني الذاكرة- صباح) دعا «الجَفَلى»، وهي الدعوة العامّة. ألم تسمعوا قول طرفة:
نحنُ في المَشتاةِ ندعو الجَفَلى ... لا ترى الآدِبَ فينا يَنْتَقرْ
ومُدَّت البسط ونُصبت الموائد، فأكل عنده ربع أهل بغداد (كما سمعت لا كما رأيت). وكان بغدادياً أصيلاً عارفاً بمواضعات أهل بغداد وأسلوبهم في كلامهم ومصطلحاتهم فيما بينهم، وطالما أنقذه ذلك من مآزق.
ولكني مع ذلك لا أبرّئه ولا أبرّئ عبد الإله، وهو ابن عمّ غازي، من دم غازي.
قالوا عن سبب موت غازي:«صدمة سيارة»، ورتّبوا الأمر وأعدّوا المسرح وأخرجوا الرواية، ودعوا الناس إلى مشاهدتها. وقد ذهبت مع من ذهب، وإن كنت في العادة أهرب من كل مكان تزدحم فيه الأقدام، فرأيت سيارة محطّماً مقدّمُها قد هُشّمت واجهتها، وعموداً من الحديد طويلاً ثقيلاً كان غائصاً في الأرض مترَين أو نحوهما، لم أعُد أذكر، قد اقتلعته السيارة من أساسه وقلعت معه كتلة ضخمة من الإسمنت كانت تمسك الأساس، وسقط العمود على السيارة التي كان يسوقها غازي.
وأخذ الناس يتساءلون: كيف قُلع العمود؟ وهل تستطيع سيارة ركوب عادية أن تقتلع مثل هذا العمود؟ وإذا قلعَته فكيف يسقط هذا السقوط؟ ولماذا لم يحطّم إلاّ واجهة السيارة وموضع السائق منها؟ وكان دليل السرعة واقفاً على ١٢٠ والمكان لا يبعد