للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتأخر، ثم لمّا طال بي الوقوف شددت من عزيمتي وشمّرت عن ساعدي، وأقبلت أدفع هذا وأزيح ذاك. وكلّما دفعت عني واحداً حلّ مكانه عشرة، فخارت قواي وأيِست من النجاة، واعترفت لنفسي بأني لم أبلغ مبلغ عنترة (أعني عنتر القصّة) الذي يقبض على الرجل فيرفعه بيده فيضرب به الأخر فيقتل الاثنين. وما كنت -عَلِم الله- أحبّ أن أقتل أحداً، وما جئت لأقاتل ولكن جئت لأشارك في هذه البهجة وهذه الفرحة.

وقفت فاشتدّ عليّ الضغط من كل جانب حتّى أحسست كأن أحشائي ستخرج، وضاق نَفَسي، ولكن كل ضيق إلى فرج، فلم يكن إلاّ أن فرّج الله عني فبعث رجلاً من ضباط الشرطة أعرفه، فحملني بسيارته إلى الفندق الذي أريد. وكان في شرفة الفندق إخوان لنا ينظرون فقعدت معهم. ولبثنا نرقب الموكب ونتحدث عن الفتوّة في العراق، ونستمع إلى أحاديث الإخوان وهي للأديب كنز لا ينفد.

لقد رأيت في ذلك اليوم من مظاهر الفتوّة والقوّة ما جعلني أبكي من فرط التأثر؛ رأيت حارة (دربونة) مجاورة للفندق، دخلتُ فيها فوجدت طفلاً يدرج على باب منزله لم يتعلّم المشي ولا النطق، وهو يحاول أن يخطو خطو الجند ويوعز إيعاز القائد: يس يم (أي يسرى يمنى). رأيت أطفال المدارس الابتدائية يسيرون سير الجنود، يقودهم مدرّس بلباس ضابط يدرّبهم من الصغر على أن يكونوا أبطالاً.

وكنّا قد ذهبنا قبل ذلك بشهر مع الطلاّب إلى معسكر

<<  <  ج: ص:  >  >>