للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحتمل، حتّى إذا نفد الصبر وبان طوق المحتمل هببنا هبّة الحليم إذا غضب. ويا ما أشدّ غضب الحليم!

أنكون نحن هنا في فرحة، وقومنا في الشام في ألم؟ وكدت أشعر بالحزن في قلبي، ثم قلت: لا، إن هذا هو الجيش الذي يجب أن يفرح به قومي. إن بطولة العراق وفتوّة العراق صفحة من سِفْر المجد العربي، كما أن قضية فلسطين وجهاد دمشق ونهضة مصر صفحات منه أخرى. إن هذه كلها قوى متّحدة تتوجّه وجهة واحدة.

ثم إن الشام لا يخاف شيئاً ولا يخشى. وماذا يخاف؟ الرصاص؟ لقد بلوناه وفتحنا له صدورنا. المدافع؟ لقد أعددنا لها منازلنا التي أعدنا بناءها بعدما خرّبوها وأحرقوها. اليتم والثكل؟ لقد تعوّده أبناؤنا وتعوّدَته أمهات أبنائنا.

وكان جيش الفتوّة لا يزال يسير، والأرض ترتجّ بالموسيقى والنشيد والهتاف والتصفيق والدعاء والبكاء، فعاد الأمل إلى نفسي قوياً فقلت: ستتحقق آمال العراق بالوحدة العربية. ولمّا جاوز جيش الفتوّة شارع الرشيد واتجه إلى شارع غازي ماج البحر واضطرب وتدفّقَت وراءه الدموع، وأسرعت أنا إلى الأعظمية لأدرك صلاة الجمعة.

كان هذا الموكب مظهر قوّة وكان علامة فتوّة، وكان شيئاً بهياً، ولكنهم أفسدوا جماله وشوّهوا صورته. إن في الموكب لنقصاً ظاهراً، إن فيه لعيباً أفسد رواءه وأضاع بهجته؛ لقد تلطّخ بالوحل بياضُه وتدنّس طهره. أفما كان بالإمكان أن يُقدَّم الموكب

<<  <  ج: ص:  >  >>