للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: نِعْمَ الرأي. وانتخبوا وفداً منهم كنت فيهم، ذهبنا إلى قائد المنطقة وطلبنا إليه أن يختار لنا من يعمل على تدريبنا. فعجب من ذلك وسُرّ منه، وقدّره وشكرنا عليه، وبعث إلينا بأحد العرفاء أو الرقباء (لست أدري) ليعمل على تدريبنا.

وكنّا مختلفين في الطول وفي السنّ، فمنا الشاب ومنا الكهل، ومنا السمين الذي يسير بطنه أمامه إذا مشى ومنا النحيل، فصفّنا تبعاً لأطوالنا، وبدأ يدرّبنا على الحركات العسكرية، يقول لنا: إلى اليمين دُرْ، ثم لا يدعنا نفكّر حتّى يقول إلى اليسار، ثم إلى اليمين واليمين، واليسار واليسار ... فما عدت أعرف يميني من يساري، وشعرت كأن الأرض تدور بي أو تلتفّ من حولي. حتّى صار أكثرنا إذا سمع الإيعاز بالدوران إلى اليمين دار إلى اليسار! فصبر علينا حتّى ضاق صبره عنّا فشتمنا، وقال كلمة معناها خبيث، وإن كانت مألوفة في العراق تمشي على ألسنة الناس.

فذهبنا نشكوه إلى القائد. وكنت أنا المتكلّم في الوفد فقلت له: إننا نشكرك أن استجبت لطلبنا وبعثت إلينا مَن يدرّبنا، ولكنه لم يراعِ أعمارنا ومكانتنا وأننا مدرّسون لسنا طلاّباً مبتدئين، فهو يخاطبنا بألفاظ لا تليق بنا.

قال: ماذا يقول لكم؟ قلنا: كلمة لا نستطيع أن ننطق بها، إنها من فاحش القول وبذيئه. قال: وما هي؟ وأصرّ على أن يعرفها، فقالها واحد منّا (وهي كلمة «قَوّاد»)، فضحك هذا القائد الكبير حتّى كاد يستلقي على قفاه وقال: "شنو فيها آغاتي"؟ وقرر لنا أنها كلمة عادية لا شيء فيها. قلنا: نعم. ولم نكن نملك أمامه إلاّ أن

<<  <  ج: ص:  >  >>