للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوم يطلبون أن تلقي فيهم خطبة قبل أن تسافر.

وكانت باريس قد سقطت في أيدي الألمان وكانت الاضطرابات قد عادت إلى الشام، فقلت له: أنت تعلم -يا شيخ حسين- أنني كالقنبلة التي لا يمسكها أن تنطلق إلا مسمار صغير، وأخاف أن تطغى بي الحماسة فأقول ما لا يناسب المقام، فإلى أي مدى يسمح لي الموقف بالكلام؟ فضحك وقال: قل ما تشاء، فالمجال أمامك فسيح.

ألقيت خطبة من تلك الخطب النارية التي كان لها الأثر الكبير في نفوس الناس، غير أنها لم تكن مكتوبة فضاعت في المئات من الخطب التي ألقيتها ثم نسيتها ونسيها الناس، وأرجو أن يبقى لي شيء من ثوابها عند الله. لا أذكر من هذه الخطبة إلا جملة واحدة قلت فيها: لا تخافوا الفرنسيين فإن أفئدتهم هواء، وبطولتهم ادعاء، إن نارهم لا تحرق ورصاصهم لا يقتل، ولو كان فيهم خير ما وطئت عاصمتَهم نعالُ الألمان.

كنت أحسب الناس في الدير مثل إخوانهم في دمشق؛ يخرجون بالمظاهرات يصيحون فيها ويهتفون ... ولم أكن أعلم أنهم مثل أهل بغداد، مظاهراتهم إعصار فيه نار، وزلازل تُدَمِّر وبراكين تنفجر! خرج الناس من المسجد يريدون أن يَصِلوا إلى الفرنسيين فيحطموهم، وجاءت الشرطة والجند لتمسك بي لأن المستشار (الكولونيل العسكري) أمر بالقبض عليّ، ولكن هذه الأمواج من الناس الثائرين حالوا بيني وبينهم فقنعوا من الغنيمة بالإياب، واستمرت هذه المظاهرات تمشي مع السيارة ... هل قلت تمشي؟ لا، بل إنها تهبُّ هبَّ العواصف وتطغى طغيان

<<  <  ج: ص:  >  >>