للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كبار المحامين يأتون من دمشق للنظر فيها، وكانت قضية إرث على مبلغ كبير. فتهيّبتها ولم أعرف من أين أبدأ النظر فيها، وبقيت ليالي أسهر عليها، أخشاها فلا أمدّ يدي إليها. ثم وجدت أنه لا بد من دراستها، فقرأت مئات من صفحاتها، ثم خطر لي خاطر هو أن أبدأ الدعوى من أولها، فقرأت الادّعاء فوجدت المدّعي يقول بأن القاضي حصر الإرث في فلان وفلان إلخ، فأعطاه أكثر ممّا يستحقّ.

رفعت يدي عن الأوراق متعجّباً؛ إنها دعوى غير صحيحة، لأن الدعوى الصحيحة هي التي يطلب فيها المدّعي طلباً مشروعاً ليُحكَم له به على خصمه، وهذا لا يطلب شيئاً، لا يقول أعطَوني أقل ممّا أستحقّ فأكملوا لي استحقاقي، بل يقول: إن الذي أخذتُه أكثر ممّا أستحقّ فأطلب تعديل الحكم.

وعجبت كيف خفيَت هذه الحقيقة الظاهرة على مَن نظر في الدعوى قبلي من القضاة، بل كيف خفيَت على كبار المحامين الذين كانوا يأتون من دمشق إلى النبك، مسافة ثمانين كيلاً، ليحضروا الجلسة ويُدلوا بما لديهم من دفوع! وشككت في نفسي، فرجعت إلى قراءتها مرّة ثانية لعلي كنت مخطئاً، فوجدت بعد الإعادة والتكرار أن الدعوى من الأصل غير صحيحة، أي أنها عِمارة من عشرة أدوار أُقيمت على غير أساس!

فأويت إلى فراشي مطمئناً، ونمت مسرعاً على خلاف عادتي، لأن الغالب عليّ أن أتقلب في الفراش، تتصادم الأفكار في رأسي يضرب بعضها بعضاً فيوقظني من غفوتي، لكنني في

<<  <  ج: ص:  >  >>