للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الليلة نمت وفكري مستريح.

وأصبح الصباح وغدوت على المحكمة، وجاء المحامون الكِبار، ولا أحبّ أن أسمّيهم لأن منهم من مضى إلى رحمة الله ومنهم من صار متقاعداً. والمحامون أمام القاضي الجديد كالطلاّب الكبار مع المعلّم الجديد: تكون معركة خفيّة بين الفريقَين، المحامون يريدون أن يعرفوا قوّة هذا القاضي من ضعفه، وعلمه من جهله، وحزمه من لينه، ففاجأتهم بقرار: "سُئل الطرفان عن كلامهما الأخير".

وهذا القرار إنما يكون بعد استيفاء المرافعات في آخر الدعوى ليُعلن بعده ختام المحاكمة ويصدر الحكم. فتعجّبوا، واعترضوا عليّ وتعالت أصواتهم، وحسبوا أنني قاضٍ ضعيف لا يدري ما يقول. ولكني أخذتهم بالحزم، وأفهمتهم أن هذا قرار لا يجوز لهم الاعتراض عليه إلاّ بعد ختام الدعوى واستئنافها أمام محكمة أعلى. فسكتوا على مَضَض ينتظرون ماذا سيكون مني، يتوقّعون أن يسمعوا قراراً يتّخذونه نكتة بينهم، يتندّرون به على وزارة العدل التي تُقيم في القضاء مَن لا يعرف أصول القضاء، فإذا القرار: "لمّا كان الادّعاء مَنوطاً بالمصلحة، وكان المدّعي لا مصلحة له في هذا الادعاء ولا يطلب شيئاً لتحكم المحكمة له به، لذلك أقرّر ردّ الدعوى (أي رفضها) لِما ذكرت، حُكماً قابلاً للتمييز (أي لمراجعة محكمة النقض) ".

انتهت المحاكمة. ونظرتُ إليهم فإذا هم مثل الذي يصحو من حلم عجيب. لقد تنبّهوا إلى أنهم كانوا يسيرون في طريق لا

<<  <  ج: ص:  >  >>