للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان حاكم الصلح يومئذ رجلاً أعرفه من أيام المدرسة، كان سابقاً لي في الدراسة، وكان أكبر مني سناً وهو من أسرة كبيرة في الشام، ذكيّ من أذكى الأذكياء ولكنه كان يستعمل ذكاءه في الباطل، فلم يكن قاضياً عادلاً بل كان مائلاً يميل مع مصلحته ويدور حيث دارَ القرش، فكانت الشكوى منه مستمرّة، يهمس بها الناس همساً خوفاً منه ولا يقدرون على مجابهته بها، بل إنهم يَجْبُنون عن رفع شكواهم إلى الحكومة خوفاً من انتقامه، لقوّة شخصيته ومضاء عزيمته وشدّة ذكائه وكبر أسرته.

وكان وزير العدل -كما قلت- زكي الخطيب، ثم تبدّلت الوزارة وصار مكانه القاضي الكبير الحلبي راغب الكيخيا (وأصل كيخيا: كتخدا). وكان عندي محاضرة في جمعية التمدّن الإسلامي حُدِّد وقتها وموضوعها قبل تبديل الوزارة، وكان موضوع المحاضرة «ماضي القضاء وحاضره». تعبت عليها جداً وراجعت كتباً كثيرة جداً حتّى استخرجت قواعد أصول المرافعات من كتب الفقه الإسلامي، وكان يمكن أن يكون منها كتاب جامع لولا أني أهملتها حتّى اختلطَت أصولها وضاع أكثرها، وما أكثر ما أضعت من أمثالها (١). وحضر إلقاءها الوزيران: الوزير المستقيل زكي الخطيب والوزير الجديد راغب الكيخيا، وحضرها كبار القضاة منهم حَمي (أي والد زوجتي) القاضي صلاح الدين الخطيب.

أعجبَت المحاضرةُ السامعين وقام الوزيران فأثنيا عليها


(١) القسم الباقي من هذه المحاضرة منشور في مقالة «القضاء في الإسلام»، وهي في كتاب «فكر ومباحث» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>