للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يستطيع حتّى يشرّف البك، فأريته البرقية، فاستخذى وفتح لي الغرفة، وقعدت على كرسي الحاكم.

وكان للحاكم وسطاء معروفون في البلد، أحدهم نائب المنطقة في المجلس النيابي وآخر من المحامين، يأخذون من الناس ويدفعون إليه. فلما دخل الأول ورآني تجمّدَت رجلاه فلم يتقدّم، وسأل الناسَ: ما الحكاية؟ فاستدعيتُه وقدّمت إليه كرسياً وقلت له: تفضّل. فقعد، ودعوت له بالقهوة ثم سألت: هل لك يا أبا فلان عمل في المحكمة لأساعدك على إنجازه؟ قال: لا. قلت: هل يمكن إذن أن أعرف لماذا كان حضورك إليها؟ فلم يستطع الجواب. فقلت له بلطف: أرجو ألاّ تفعل ذلك مرّة ثانية لأنني لا أفتح الباب إلاّ لصاحب عمل، للمدّعي أو المدّعَى عليه أو للشهود في الدعوى، أو لمن له معاملة رسمية.

ثم جاء المحامي الذي يعمل لحساب الحاكم فقلت له مثل ذلك. وأجّلت القضايا كلها حتّى أدرسها وعكفت عليها أنظر فيها، أميّز حقّها من باطلها، فلم تمضِ إلاّ مُدّة يسيرة حتّى أدرك القريب والبعيد أن المحكمة قد نظفَت وخلَت بحمد الله من كل ما يخالف الشرع أو القانون، وانتفت منها الشفاعات والوساطات والرشوات.

لقد كسبت عداوات ناس أقوياء ولكنني أرضيت الله، والله أقوى منهم، ومن ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي عنه الله وأرضى عنه الناس. فلم تمضِ إلاّ مُدّة يسيرة حتّى رضي الناس عمّا كان وحمدوا الله عليه، وشكروني أني كنت السبب فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>