للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرّة في النبك، في المحطّة المجاورة للمسجد في الحيّ الذي يُسمّى المخرج، وهو على الطريق الدولي الذي يصل بين دمشق وحمص ويمرّ من وسط النبك، رأيت رجلاً يدخّن علناً وهو قاعد في القهوة، لا يبالي شعور الناس ولا يحفل باعتراضهم، وقد كاد عمله يجرّ إلى فتنة، فأمرت بوقفه (أي بإيقافه) وحكمت عليه بالسجن إلى نهاية شهر رمضان.

واتّفق أن كان هذا الرجل غير مسلم، فتحرّكَت أقلام المتزلّفين إلى المستعمرين وانطلقَت ألسنة الحاقدين والناقمين، ووصل ذلك إلى وزارة العدل فسألَتني، وكان جوابي أنّ منع الإفطار علناً في شهر رمضان ليس خاصاً بالمسلمين ولكنه عامّ لجميع السكان، لأنه من نوع الإخلال بالآداب العامّة.

ومرّت الأيام، وجاء انقلاب حسني الزعيم فألغى قانون الجزاء العثماني الذي كنّا نحكم به، وجاؤونا بقانون جديد مترجَم عن القوانين الأجنبية الوضعيّة. ولي مع هذا القانون شأن طويل؛ كتبت عنه وحوكمت أمام مجلس القضاء الأعلى وحُكم عليّ بعقوبة ماليّة، وسيأتي بيان ذلك في موضعه.

لمّا أُلغي قانون الجزاء وذهبَت معه هذه المادّة تجرّأ الناس على الفطر في رمضان، وظنّوا أنه لا عقوبة عليهم ولا أذى ينالهم، فاتخذَت محكمة النقض في الشام (محكمة التمييز) بهيئتها العامّة قراراً باعتبار هذا الإفطار العلني مُخِلاًّ بالآداب العامّة ومزعجاً للهيئة الاجتماعية، ومستحقاً للعقوبة.

وقرار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز ليست له قوّة القانون

<<  <  ج: ص:  >  >>