للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«سيدي عامود» فإذا القنبلة قد سقطت في وسط الطريق، في ميدان صغير يتقاطع فيه شارعان، فاحتفرت حفرة هائلة وتطايرت قطعها وشظاياها فأصابت أربع عمارات جديدة مترَعة بالسلع التجارية، فضعضعَتها وهزّت أركانها وأدخلَت بعضها في بعض، وأبادت كل ما كان فيها من سلعة ومتاع، وأفقرت أسراً الله أعلم بعددها، كما حطّمَت كلّ زجاج الحيّ وقتلت رجلاً وامرأتين.

وذهبت بعد ذلك إلى الكَلاّسة، فإذا هذا الحي الآمن بأمان المسجد، المجاور لقبر صلاح الدين، قد غدا تلاًّ واحداً كالقبر العظيم، كأنه لم يكن منذ ساعات يبسم للحياة ويبسم له المجد، وكأنه لم يكن منزل الكرام الصيد المحسنين.

وكان الناس مزدحمين يعملون مَسَاحيهم ومعاولهم في هذه الأنقاض فيكشفون عما تنفطر لهوله القلوب، ويلقون من غرائب الحياة ومآسيها ما يُخجل أكبرَ القُصّاص ويدفعه إلى حَطْم القلم وهجر الكتابة، لأن الواقع الذي وقع يومئذ أبلغ من كل ما تخيّل الأدباء والقصّاصون.

وكان النساء يولولن ويصِحن يسألن عن زوج ضائع أو ولد مفقود، ويقعن على أرجل الكشّافة والفَعَلة وأصحاب المساحي يسألنهم الإسراع بالكشف عمّن افتقدن من أقربائهن، ومنهم امرأة رأيتها تُقبِل على التراب تنبشه بيديها، تبلّله بدموعها، تعدّ الدقائق والثواني، تتصور الموت جاثماً على صدر من تحبّ تحت هذا الثرى، فإذا رأت أنها لم تصل إلى شيء وهالها الأمر جُنّ جنونها، فأقبلت تلطم وجهها وتشدّ شعرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>