للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذباً قانون «الإصلاح الزراعي» (١)، لم يجد سبيلاً إلى دخول البلد، لأن الأرض مقسّمة بين أهلها من غير تقسيم رسمي، ليس فيها ملكيات كبيرة فكلّها قطع صغيرة، يملك كلَّ قطعة منها واحدٌ منهم يقوم عليها ويرعاها.

ولذلك كانوا يقولون عن أهل دوما قديماً: «إنهم يعيشون فقراء ويموتون أغنياء»، أي أنهم يصرفون همّهم كلّه للأرض فلا يستمتعون استمتاع الغنيّ بماله، فإذا ماتوا عنها كانوا أغنياء بما تركوا لورثتهم منها.

انظروا إلى هذا الكون تروا فيه نهاراً مضيئاً وليلاً مظلماً، وربيعاً ضاحكاً بالزهر وشتاء باكياً بالمطر، وورداً وشوكاً، وتروا في الناس إيماناً وكفراً، وفضيلة ورذيلة، ونقصاً وشيئاً يشبه الكمال ... هذا هو حال الإنسان وهذه هي صورة الدنيا. ولو شاء الله لجعل الناس أُمّة واحدة تمشي كلّها في طريق الجنّة، تسلك جادة الصواب، تأتي الخير كلّه وتدع الشرّ كلّه، وإذن يكون في الأرض ملائكة يمشون لأن الملائكة {لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}، ولكن الله لم يُسكِن الأرضَ ملائكةً بل أسكنها بشراً، ولكل مجتمع بشري عيوبه ونقائصه وله حسناته وكمالاته.

فمن عيوب المجتمع في دوما أنهم كانوا مشهورين قديماً بكثرة الحلف بالطلاق، حتّى رووا أن قاضياً جاء أيام الدولة العثمانية فأراد أن يمنع هذه الخلّة القبيحة، فأخرج منادياً ينادي


(١) {إذا قيلَ لهم لا تُفْسِدوا في الأرضِ قالوا إنّما نحنُ مُصلِحونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>