الغضب ظاهراً على وجوههم وأصواتُهم بالتهديد والوعيد تملأ الفضاء من حول القصر، ثم رأيت الدرك (أي شرطة القرى والأطراف) قد أغلقوا باب القصر وأحكموا رِتَاجه، فذهبت إلى قائم المقام (وكان صديقنا الدكتور عبد الكريم العائدي رحمه الله، وهو رجل وطنيّ شارك في الثورة السورية وله مواقف)، فقلت له: أنا أرى أن تفتح الباب لأن إغلاقه يزيد هذه النار ضراماً ويدفعهم إلى اقتحام القصر، وإذا فعلوا لا يدري إلاّ الله ماذا يكون منهم. فأبى وظهر عليه الخوف، فقلت: يا دكتور، أنت تخاف؟ وأنت الذي شارك في الثورة وخاض معامع القتال؟ قال: لا أستطيع أن أواجه هؤلاء، بل أستنجد بدمشق.
ورفع سماعة الهاتف يطلب النجدة منها. قلت: إلى أن تصل النجدة يكون المحذور قد وقع، والأَولى أن تفتح الباب وتواجههم. فلما أبى قلت: أنا أفتح الباب وأخرج إليهم. فحاول أن يثنيني عن هذا وخاف عليّ فحذّرني من النتائج، وكان الموظفون قد اجتمعوا عنده، فقلت له: هؤلاء كلهم شهود على أنني خارج إليهم على مسؤوليتي أنا وليس عليك من تبعة ذلك شيء. قال: افعل ما تراه.
فتحت الباب وخرجت إليهم. وكنت بالعمامة البيضاء لأنني قاضي البلد، وكان أكثر الناس يُحبّونني. فوقفت أشير إليهم بيدي أن يسكتوا وهم يصيحون ويصخبون، ولقد همّ بعض سفهائهم بإلقاء الحجارة عليّ، ففتحت لهم صدري وقلت: افعلوا ما ترون. فلما رأى ذلك عقلاؤهم ثنوهم عنّي وأسكتوهم وانتظروا ما الذي