أقوله لهم. فألقيت عليهم خطبة بيّنت فيها أن الله لا يريد الظلم وأن الدماء مَصونة، وأن كل مجرم يعاقَب في الدنيا وفي الآخرة، فإذا كان هذا الذي قُتل إنما قُتل مظلوماً فأنا أضمن لكم أن يعاقَب القاتل حتّى ترضوا.
وكانوا يحملون القتيل معهم، فلما رأيته قلت لهم: أهكذا يُشيّع الميت المسلم إلى مدفنه؟ أهكذا تكون الجنائز؟ أهذا هو جلال الموت؟ هل يقابَل الموت بالصياح وبالسخط على الله أم يقابَل بذكر الله والاستغفار لمن مات والصلاة عليه والاعتبار به، ثم يكون التحقيق وعقاب من يثبت أنه مجرم؟
وما زلت بهم حتّى مالوا إليّ، واستمعوا مني وجعلناها جنازة شرعية، ودعوت الموظفين ومشينا وراء النعش كما يمشي الناس في الجنائز حتّى بلغنا مكان الصلاة على الأموات، فنظّمت الناس صفوفاً وتقدمت فصلّيت عليه. وشاركوني جميعاً (أعني من كان منهم على طهارة) تكبيرات الصلاة على الميت، ثم عدت فوعظتهم حتّى لانت قلوبهم وسالت مدامعهم وندموا على ما صنعوا. ثم عدنا وكأنها لم تكن مظاهرة ولم تكن فوضى، ولم يكن في القلب غِلّ ولا غضب ولا رغبة في الانتقام.
فلما بلغنا قصر الحكومة عائدين كانت القوّة التي طلبها قائم المقام قد وصلت من الشام، فاشتدّ بهم ساعده وقوِيَ بهم ظهره، وأراد أن يُظهِر عِزّة الحكومة وجبروتها فيقبض على المتسبّبين فيما كان. فأخذته جانباً وقلت له: لقد سمعتَني أعدهم أنهم إذا تركوا ما هم فيه وعادوا إلى ما يأمرهم به دينهم ويوافقه نظام حكومتهم فإنه