لن ينالهم سوء، أفتريد الآن أن تُخلِف وعدي وتُظهِرني أمامهم بمظهر من يَعِد ولا يفي؟
قال: لا بُدّ من ذلك. فقلت: آلآن بعد أن صرفتُ عنك بإذن الله السوء وخلّصتك من أزمة ما كان يعلم ما تجرّ إليه إلاّ الله؟ آلآن أظهرتَ قُوّتك وشِدّتك، ولمّا كانوا محيطين بالقصر يطوّقونه ويريدون أن يهجموا عليه ويضرموا النار فيه هربت إلى غرفتك؟
وغضبتُ وقلت له: والله لئن لم تعُد هذه القوّة من حيث جاءت لأقودنّ أنا مظاهرة أخرى أسوقها عليك وعلى مَن وراءك، وأنت تعلم أن هذه كانت صناعتي قديماً وأنني طالما قُدت طلاّب الشام في المظاهرات وفي نضال الفرنسيين، وستحمل أنت نتائج ما سيكون. وكان عاقلاً فعاد إليه عقله، وقال: ماذا تريد؟ قلت: ندخل أولاً إلى الغرفة فلا يحسن أن نتكلم في الطريق والقوم يحيطون بنا. فدخل معي إلى غرفتي واتفقنا على أن تعود القوّة التي جاءت من الشام إلى الشام، وأن يُطوى بساط الحادث على ما كان فيه. وتمّ ذلك.
وكنّا في تلك الأيام نسهر -معشر القُضاة- مساء الثلاثاء عند القاضي الكبير عبد الرؤوف بك سلطان، المفتّش العامّ لوزارة العدل، ونجتمع صباح الجمعة عند شيخ قُضاة الشام مصطفى بك بَرْمَدا، الذي لم أرَ قاضياً مثله في سعة علمه وفي سداد حكمه وفي هيبته وفي علوّ منزلته. فقصصت عليه ما كان فقال لي: احمد الله أنك نجحت ولم تُصَب بسوء فاستحققتَ الشكر على ذلك، ولو أنك أُصِبت بشيء للامك الناس على أنك عرّضت نفسك لما