وهما نتيجتان لازمتان لحياة العرب قبل الإسلام. كانوا يعيشون في صحارى مقفرة في مجموعة من الخيام، أو في قرى لا تبلغ أمُّها (أم القرى: مكّة المكرمة) مبلغ قرية من قرى هذه الأيام. فإذا نزل أحدهم بقبيلة أو أوى إلى قرية لم يجد مطعماً يأكل فيه ولا بيّاعاً يشتري منه ولا فندقاً ينزله، فإن لم يكرموه ويطعموه مات جوعاً، فكان الكرم ضرورة لا بد منها، وكان كما يُقال الآن «مسألة حياة أو موت». ولم تكن لهم حكومة ولا كان فيهم قوّة تكفل الأمن وتحقّق العدل وتأخذ على يد الظالم لتنصف منه المظلوم، فكان اعتماد الواحد منهم في حفظ حياته على شجاعة نفسه وقوّة ساعده.
ولكني ما قلت الذي قلته عن موقفي من المظاهرة فخراً بنفسي ولا مدحاً لها، فلماذا قلته إذن؟ لأن الذكريات صورة لصاحبها، لا يكفي فيها أن يعرض أحداث حياته بل صورة نفسه: خلائقه وعاداته. والحياة طريق طويل مليء بالمفاجآت وبالمصائب التي لا تتوقعها ولا تحسب حسابها، فكيف يكون موقفك أمامها إن واجهتَها؟
الموقف الذي تقفه عفواً بلا تفكير، هذا الذي يُسمّى بردّ الفعل (رِفلكس). فمِن الناس مَن إذا واجه الخطر جَمُدَ فكره وجسده فلا يصنع شيئاً، ومنهم من يقابل الخطر بالهرب، ومنهم من يواجهه بالهجوم ... وأنا من النوع المهاجم.
وكل إنسان يتردّد لحظات قد تطول أو تقصر قبل أن يقرّر ماذا يصنع، وكلّما كان وقت التردّد أقصر كان الرجل أجرأ وكان