يتكلّم الأصحاب، فما أحسست إلاّ وقد سقطت منهاراً، ولم أعُد أقدر على النزول إلى الشارع إلاّ بمساعدة الإخوان، يمسكون بكتفي ويعينونني على النزول، مع أنني صعدت على قدمي كما يصعد الناس. وعدت إلى المستشفى أُخبِر الطبيب الذي كان يقوم عليّ والذي أجرى العمليات لي (وهو جرّاح ماهر اسمه الدكتور مظهر المهايني) وكبير أطبّاء الشام الدكتور حسني سبح (رئيس مجمع اللغة العربية الآن في دمشق) والأستاذ الكبير الدكتور حمدي الخياط ... فلبثوا جميعاً أياماً حتّى استطاعوا أن يُزيلوا من نفسي أثر هذه الكلمة التي قالها الطبيب الشاب، جهلاً من غير علم ومن غير تحقيق.
* * *
ومن الأطبّاء الذين عرفتهم من يكشف على المريض، فإذا سأله عن مرضه لم يخبره بشيء بل طمأنه بكلام عامّ. فإذا كان المريض متعلّماً لم يقنعه هذا من الطبيب، لأنه يريد أن يُرضي غرور نفسه ورغبته في الاطلاع فيعرف شيئاً عن المرض. ومن أطبّائنا من يمشي على طريقة الإفرنج فيشرح للمريض حقيقة مرضه والأعراض التي يمكن أن تنشأ عنه، وربما كان في هذا الشرح والبيان ما لا يحتمله المريض. كما وقع لصديق لنا، أستاذ من أبرع الأساتذة، شابّ صغير السن كبير العلم، كان يدرّس في جامعة الرياض، فأصابه المرض الخبيث، فجاء طبيب غير عربي فخبّره به، فإذا بالوهم يوهن صحّته حتّى صار جلداً على عظم ولم يعُد يُعرف له لون، وما زال يذوي كما يذوي الغصن ويذوب كما تذوب الشمعة حتّى تُوفّي وذهب إلى رحمة الله.