أصابتني مرّة حكّة شديدة في موضع يصعب الوصول إليه لحكّه ولو من فوق الثياب، حتّى إنني كنت أُضطرّ إلى الوقوف في جانب الطريق لا أستطيع أن أوالي سيري ممّا أحسّ به من هذه الحكّة. ولقد شققت جيب بنطالي لأدخل يدي منه فأحك هذا الموضع. فلما طال ذلك عليّ واشتدّ بي ذهبت إلى كبير أطبّاء الأمراض الجلدية في كلية الطبّ في الشام، وهو الدكتور محمد محرّم. وكان أستاذاً لنا في مكتب عنبر مدّة من الزمان، وكان أبوه مصباح بك محرّم رئيس محكمة التمييز أيام الحكم الفيصلي في سورية في آخر الحرب العالمية الأولى. وكان الدكتور محمد أستاذاً كبيراً وعالِماً وكان وقوراً، فكيف أكشف له عن موضع يُستحيا من كشفه أمام الطبيب العادي؟ وكيف أكشفه لأستاذ له هيبته في قلبي واحترامه يملأ جوانب نفسي، ولكن:
إذا لم يكن إلاّ الأسنّةُ مركَباً ... فما حيلةُ المضطرّ إلاّ ركوبُها
ذهبت إليه وصنعت ما كنت أخاف منه وأتهيّبه، فطمأنني الدكتور وقال: لا تخَف، فليس هذا مرضاً ولكنه انعكاس عصبي يكون من ضيق تشعر به أو أمر تتردّد فيه أو مشكلة وقعتَ فيها، وسأكتب لك بعض المهدّئات الخفيفة التي لا تضرّ، وأظنّ أن هذا الذي تشكو منه سيذهب بإذن الله.
وكتب لي الوصفة وأخذتها، ومرّ على ذلك أكثر من شهر، ثم لقيت الأستاذ فسألني عمّا كنت أجد فقلت له: الحمد لله، لقد زال تماماً. قال: إن الأمر كما قلت، فقد كفَت هذه المهدّئات الخفيفة لدفع سبب ما كنت تشعر به. فضحكت وقلت: ولكني يا