الأقراص التي لم يأخذ منها إلاّ أقلّها ولم يجد الشفاء، ذهب فشهّر بالأطبّاء وتكلّم عنهم ونسب إليهم الجهل.
وربما شرح الطبيب للمريض كيف يستعمل الدواء فلم يفهم شرحه، أو لم يعمل به، ثم نسب الخطأ إليه.
كان لي ابن عمّ من أوائل الذين تخرجوا في كلية الطبّ في دمشق. تخرج فيها طبيباً سنة ١٩٢٠، وتنقّل في البلاد ثم استقرّ في دوما التي تكلّمت عنها وأنا قاض بها منذ حلقتين. وكان يأتيه بعض المرضى من البدو النازلين حولها، فجاءه مرّة ثلاثة من الشبّان بأم لهم عجوز كبيرة لا تكاد تقدر على المشي، ففحص عن مرضها وعرفه. ولم يكن في دوما يومئذ صيدلية، وكان يجوز للأطبّاء في هذه الحال أن يركّبوا هم الدواء وأن يبيعوه. فغلى الماء وركّب لهم شراباً أعدّه لهم، ووضعه في قارورة وأحكم إغلاقها، ودفعها إلى الأولاد وقال لهم: تأخذ منها كل ساعتين ملعقة، على أن تخضّوها قبل إعطاء الدواء.
وأخذوا أمهم وقارورة الدواء وانصرفوا. وكانت مدّة العلاج خمسة أيام على أن يعودوا إليه بعدها ليرى ماذا انتهت إليه حال المريضة، والقاعدة عندنا في الشام أن العودة لمثل هذا السؤال لا تكلّف المريض مالاً، بل يكتفي الطبيب بما أخذ عند الفحص الأول.
مضت الأيام فسمع وهو في عيادته صراخاً من الشارع: آه، آه، آه ... وتبيّن منه صوتَ العجوز التي فحصها، فخرج ينظر.