للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند باب المدرسة، فلو أن طالباً أخرج رجله الواحدة وترك رجله الثانية داخل بابها لاستطاع أن يشرب منها. تضايق الطالب من العطش ومن دخول وقت الدرس، فجاوز الباب خطوة فشرب ورجع.

إلى هنا لا ترون إلاّ حادثة هيّنة عادية لا تُعتبر ذنباً ولا يرى أحدٌ فيها مخالفة. ولكن المدير الفاضل الظاهري التفكير، أستاذنا الشيخ حسن، رجع إلى نظام العقوبات في المدرسة فوجد أنه على درجات: أولها التنبيه ثم التوبيخ ثم التكدير العلني، ثم الطرد المؤقّت أياماً، ثم الطرد من المدرسة طرداً نهائياً. ومُثِّل للذنوب التي تستدعي الطرد أن يكفر التلميذ بالله، أو أن يرتكب فاحشة من الفواحش، أو أن يشتم أستاذاً، أو أن يدع المدرسة ويخرج منها بلا إذن ... فما كان من الشيخ إلاّ أن أوقع على هذا الطالب عقوبة الطرد بحُجّة أنه خرج من المدرسة بلا إذن، وعلّق القرار في لوحة الإعلانات فرآه الطلاّب جميعاً.

رُفع الأمر إلى مجلس العمدة، وكنت يومئذ رئيسه لأنني كنت قاضي دمشق والرياسةُ في قانون الكلّية لقاضي البلد. فعجبنا وعجب الأعضاء كلّهم من هذا القرار، وندبوني بطلب مني أن أذهب إلى الشيخ فأسأله أن يعدّله. وكان -كما قلت- صديقي، بل هو بحكم أستاذي، فذهبت إليه فكلّمتُه، وظننت أن الأمر سهل وأنه سيقتنع مني ويعدّل هذا القرار، وإذا به يقول: القانون هو القانون، من خرج من المدرسة بلا إذن فعقوبته الطرد. فهل خرج أم لا؟ قلت: نعم، لقد خرج. قال: هل استأذن؟ قلت ضاحكاً: لا. قال: فلِمَ إذن تعارض في تطبيق العقوبة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>