نرى الناس زاهدين في القضاء منصرفين عنه؟ وكم مسابقةً أعلنَت عنها الوزارة فلم يُقبِل عليها أحد حتّى اضطرت إلى إلغائها؟
(إلى أن قلتُ): إنكم تظنّون أننا نطالب بزيادة الرواتب طمعاً في الكسب وحُباً بالادّخار وابتغاء النعمة والرفاهية لأنفسنا وأهلينا. لا يا سادة، ولكن نطالب بها حفظاً لحقوق الناس وكرامة البلد، وليكون القُضاة مَكفيّين فلا يَمُدّوا عيونهم ولا أيديهم إلى غير ما أُحِلّ لهم، فارغين من همّ العيش لا يشغلون به بالهم عن قضاياهم، آمنين مطمئنّين فلا يزعجهم حاكم ولا يطمع في التأثير فيهم أحد، ولتدخل الحكومةُ كبارَ المحامين في القضاء حتّى يُقبِلوا عليه فيقوى بهم، كما يقوى النهر بالروافد التي ترفده وتنصبّ فيه.
* * *
الكلمة الثالثة:
تمّ الأمر وعُرف هذا المجرم النذل الذي فقد كل ما يعتزّ به الرجال من الفضائل: فقد الدين الذي يدعو إلى الخير، والضمير الذي يوزع عن الشر، والخلق والنبل والإنسانية، وفقد معها الشجاعة، فلم يواجه خصمه مواجهة البطل ولم يُعلنه بالحرب إعلان الشريف، بل تخفّى له في الظلام كما تختفي الحشرات وضربه على غرة كما تضرب العقارب.
والذي فقد الرجولةَ فاستعان بماله الذي جمعه من حرام على الفعلة الحرام، واشترى به أيدياً يضرب بها بعد أن منعه الجُبن والتخنّث أن يضرب بيده التي عرفَت السرقة ولم تعرف