الشعوب اليوم من يفخر باستقلال قضائه وعزّته ومضائه ففاخروا -يا شبابنا- بقضائكم يكن لكم الفخار وتُعقَد على جباهكم تيجان الغار، ولكن لا تناموا على هذا المجد التليد بل انهضوا فصِلُوه بمجد لكم جديد (١).
* * *
هذا ما قلته من قديم، ولم أكن ألقي فيه خطابيات بل أسرد حقائق، فالقضاء لا بدّ منه ولكنه امتحان صعب، والداخل إليه داخل على خطر. فقعدت أفكر: ما حُكم تَوَلّي القضاء في الشرع؟ رجعت إلى ما يقول الفقهاء فإذا خلاصة أقوالهم أنه إذا لم يكن في البلد إلاّ واحد يقدر على تَوَلّي القضاء -علماً منه بأحكامه واستقامة في سيرته- كان دخول القضاء بالنسبة إليه فرض عين. وإن كان في البلد اثنان فأكثر كلٌّ منهم يصلح له كان دخوله فرض كفاية عليهم. وإن كان رجل يصلح للقضاء وغيره أقلّ صلاحاً منه كان دخوله القضاء مندوباً إليه، وإن كان صالحاً له وغيره أصلح كان دخوله مكروهاً، وإن كان يعلم من نفسه العجز عنه وقبل به كان آثماً ظالماً.
هذا في تولي القضاء في ذاته. ولكن من يكون رئيس محكمة يكون حمله أثقل لأنه يصبح مسؤولاً عن كل العاملين معه في المحكمة؛ إن زلّ واحدٌ منهم أو ضلّ عوقب معه الرئيس إن سكت عنه. فماذا أعمل وهي تَبِعة تَضعف عن حملها شُمّ الجبال
(١) هذه قطعة من أول مقالة «القضاء في الإسلام»، وهي في كتاب «فِكَر ومباحث»، فمن شاء أكمل قراءتها هناك (مجاهد).