للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناسبات، حتّى إن أحد قُضاة قصر العدل طلب كاتباً بموافقة مني ليعقد عقد ابنته فدفع له مئة ليرة! وبلغني الخبر فدعوت الكاتب وأنذرته بأن يأخذ خمساً منها وأن يردّ له الباقي، وهددت من يعود إلى مثل ذلك برفع أمره إلى وزارة العدل، فصار الكُتّاب إذا أُكرِهوا على أخذ شيء يزيد عن الحدّ المقرَّر جاؤوني به في اليوم الثاني خوفاً من العقوبة.

وجعلت لأصحاب المعاملات أرقاماً كالتي تكون في المصارف (البنوك)، فمن قدّم معاملته أولاً أعطيه رقم واحد، يأخذ الرقم بيده مطبوعاً على ورق مقوّى عليه ختم المحكمة ويُربط مثيله بالمعاملة، وأنذرت الديوان بأن تسير المعاملات وفق هذه الأرقام، فإذا كان رقم أربعة -مثلاً- لواحد من عامّة الناس ورقم خمسة لوكيل وزارة العدل أو لقاضٍ من كبار القُضاة فقدّمه الكاتب (الديوان) على الرقم الذي قبله أوقعت عليه الجزاء القانوني. وكنت أنزل في النهار فأدخل بين الناس، أدع العمامة في غرفتي فأعود بثياب كالتي يلبسها جمهور الناس فلا ينتبه أحدٌ إليّ ولا يتعرف عليّ، وأرى، فإن لمست مخالفة عملت على عقوبة المخالف.

فانتظم أمر المحكمة، وسيق الناسُ جميعاً بعصا واحدة لا تفرّق بين الغنيّ والفقير ولا الكبير والصغير، بل لا يستطيع الموظف إذا جاء صديقه أو قريبه أو جاء أخوه أن يراعيه على حساب الناس.

ثم رأيت أن هذا كله علاج مؤقّت لا يكاد يأتي منه الإصلاح المنشود، فعملت على إبدال مَن في الديوان واحداً بعد واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>