كان في الورثة أيتام، فجاءني يعرض عليّ أن أقوّم التركة وأن آخذها كلها للأيتام ولا أدع لموكّله شيئاً. فعجبت من ذلك وتنبّهت إلى ذكاء هذا المحامي والقاضي القديم وإلى مقدرته وسعة حيلته، ففكّرت في الأمر فقلت له: يا أستاذ، إن التركة كلها هي هذه الطاولة والكراسي والخزانة الخشبية والمكان المستأجَر الذي كان يعمل فيه المورّث، وأنا الوكيل عن الأيتام أدع هذا كله لموكِّلك وآخذ اللوحة فقط التي فيها الاسم وأكتفي بها.
فعرف أني كشفت سرّه. وراح يداورني وأنا ثابت مكاني حتّى اضطُرّ إلى القبول.
من أين اهتديت إلى ما قلت؟ لمّا ذهبت إلى مصر أول مرّة للدراسة سنة ١٩٢٨ (وقد مرّ بكم خبر ذلك) سمعت أن «أورزديباك» قد اشترى اسم التاجر المصري المشهور «عمر أفندي». ولم نكن نعرف من قبل أن الأسماء تُباع وتُشترى، فقرنت هذه بتلك، ورأيت أن هذا المخلّص إنما كان يعمل باسمه التجاري، وزبائنه مرتبطون بهذا الاسم لا بالمكتب الذي كان يقعد إليه ولا بالكراسي ولا بالخزانة ولا بالغرفة التي كان يسكنها، فرأس ماله إذن وثروته كلها في هذا الاسم، لذلك أصررت على أن يكون الاسم للقُصَّر. ثم انتهينا إلى نوع من الشركة في الاسم بين موكّل الأستاذ البالغ الراشد وبين القُصَّر، كان لهم فيها بحمد الله نصيب الأسد.
وأنا لست من أهل الخبرة بشؤون الحياة، ولكنني كنت -والحمد لله- إذا سمعت خبراً أو رأيت حادثة استخلصت منها