العِبرة فاحتفظت بها في ذاكرتي. ولقد كنت ذهبت من قديم مع شيخنا الشيخ بهجة البيطار رحمه الله إلى عمارة كان أكثرها لأيتام هو الوصيّ عليهم، وقد تعاقد مع مقاول على أن يُنهي بناء هذه العمارة، أي على أن يكسوها بعد أن أقام هيكلها، فوجدت رجلاً من أدْعياء الصلاح والدين، ليّن اللسان قاسي القلب، حلو الكلام ولكنه مُرّ المعاملة، يقصّر في العمل ولكنه إذا رأى الشيخ أسرع فقبّل يده، وكلّما لامه قال له بلهجته المعسولة ولكن عسلها مشوب بالسمّ: يا سيدي أنت شيخنا، تأمرنا أمراً، هل نستطيع أن نخالف أمرك؟ أنا تلميذك وخادمك وربي سيؤاخذني إن قصّرت في حقّ الأيتام، لذلك أبذل طاقتي كلها في خدمتهم والعمل لهم ... وأمثال هذا الكلام الذي لا يأتي من بعده عمل.
تذكّرت ذلك لمّا عرضَت عليّ قضية لأيتام أبوهم مقاول يشتغل بالبناء، فلما أحصيت التركة كان للأيتام عمارة صغيرة لم يتمّ بناؤها، فعرض إخوتهم الكبار أن نقدّر نحن نفقات إتمام البناء وأن يتمّوه على حسابهم ثم يسلّموه إلينا. هنا ذكرت قصّة مقاول الشيخ بهجة رحمه الله، فقلت لهم: بل نقوّم البناء ونأخذه بحالته الحاضرة ونأخذ الباقي نقداً، ونحن (أي دائرة الأيتام) نقوم بإنجازه وإتمامه.
وكان ذلك، واستعنت بإخواننا الذين يعرفون هذه الأمور ويراقبون الله ولا يأخذون على ذلك أجراً، كالشيخ عبد القادر العاني رحمة الله عليه، الذي أفاد القُصَّر في هذه وفي عشرات غيرها فوائد أسأل الله له الآن -وقد ذهب للقائه- أن يجزل له