وليس الصلاح بتجميل ظاهر الحال ولا بتحسين المقال، بل إن المقياس المعاملة. وعُمَر لمّا جاء رجل يزكّي عنده رجلاً سأله: هل عاملته؟ هل سافرت معه؟ فلما قال لا، ردّ شهادته ولم يسمع كلامه.
وأنا تعوّدت أن أبتعد عن مواطن التهم، لذلك أحذر الدخول في قضية فيها مال. ولمّا كان العمل لدفع الصهيونيين عن فلسطين وأقبل الشباب على التطوع والأغنياء على التبرع، وجمع هنا في المملكة أبناء كلّ بلد عربي ما يساعد متطوّعيه على الجهاد، عرض أحد كبار المحسنين المعروفين مبلغاً ضخماً جداً على أن يكون صكّ قبضه (الشيك) باسمي أنا فأبيت، فلامني إخواني وقالوا: تحرم مجاهدي بلدك من هذا المال؟ قلت: إن هذا المال سيُسجَّل على أنني استلمته، فمن أين أُقنع الناس أنني قد وضعته في مواضعه وسلّمته لمن رُصِد له؟ رحم الله امرءاً جبّ الغيبة عن نفسه ودفع قالة السوء عنها.
لذلك لا أتسلّم مالاً بيدي ولا أشارك بجمعه إلاّ إن وثقت بمن يتسلّمه، ولا أمشي في طريق أرى أوّله ولا أعرف آخره.
هذه مقدّمة ما كان من حاجة إليها، ولكن الأدب هو البثّ، والأديب كالمرأة الحامل، لا يزال يثقل عليها حملها حتى ولادتها، والأديب لا يستريح حتى يُلقي إلى القُرّاء وِقْر الفكرة فيشاركوه في حملها. أمّا إن كان أحسنَ في هذا أو أساء فأمرٌ قلّما يهتمّ بمثله الأدباء.