للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس في المكانة دونه وهو في الصلة مثله. وهو ابنُ نَفْسِه، علّمَها وزكّاها. قرأ الكتب وصحب العلماء، وفتح عينيه على الحياة وأذنيه للعلم، وأمدّته ذاكرة قلّ نظيرها وذكاء ندر مثيله، ثم أقبل على طبع الكتب وتصحيحها والرجوع عند التصحيح إلى أصولها التي أخذ مؤلّفوها منها. فبلغ كلّ منهما ما ترونه منه الآن.

* * *

خرجنا من عمان أنا والأستاذ الصواف يوم الجمعة بعد الصلاة يوم ٢٢/ ١/١٩٥٤ في سيارة صغيرة لصديق من أصدقاء الصواف. ولئن كان السفر بالطيارة أسرع والسفر بالقطار أمتع، فإنك حين تسافر بالسيارة الصغيرة، ولا سيما إن كانت سيارة رفيق موافق، تحسّ بالحُرّية والانطلاق. تقف السيارة بك متى شئت وتنزل منها متى أردت، لا كراكب الطيارة الذي يمضي طريقه كالمحبوس في غرفة واحدة وكالمصفَّد بالأغلال.

لقد كتبت عن هذه السفرة مقالة طويلة. لكن أين هو الذي يعلم مكان المقالة؟ وأنّى لي الوصول إليها الآن؟ على أن الصور التي أودعتها المقالة ماثلة أمامي والأفكار التي وضعتها فيها محفوظة في ذاكرتي. مشينا في رحلتنا مع خطّ النفط (البترول)، فوجدناهم قد أقاموا محطّات كأنها قُرى صغيرة سَمّوها بحروف مرقّمة بأرقام (H٤) و (H٥)، ورأينا في المحطّة بيوتاً مثل بيوتهم في بلادهم جمعوا فيها الراحة من أطرافها، ففيها الفراش الوثير، والطعام النافع اللذيذ، والوسائل إلى دفع الحَرّ والقَرّ، والكتب والمجلاّت، والمجامع والملاعب، وفيها كلّ ما يكون في المدينة

<<  <  ج: ص:  >  >>