للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبوالعتاهية في البيت المشهور الذي بلغ في صدره السحاب وهبط في عجزه حتى توارى في التراب (١). فكنت أسألهم وأستوضحهم فلا يقولون شيئاً، كأن الأمر عندهم أعرف من أن يُعرَّف وأقبح من أن يوصف.

فلما عدت إلى الفندق جعلت أنظر وأدقّق النظر فلا أرى شيئاً من المنكَر، لا أرى ما يخالف الدين أو ينافي الخلق الكريم، وسألت صاحب السيارة ورفيقه الذي جاء معه (وهما من عمان) هل ينكران في هذا الفندق شيئاً؟ قالا: لا. قلت: فمِمّ إذن عَجَبُ الشباب واستنكارهم؟ حتى إذا كان اليوم الثاني وقد عدت بعد صلاة العشاء مبكّراً عن موعد عودتي، فوجدت نزلاء الفندق جميعاً من ذوات الشعر الأشقر ومرتكبات المنكَر، من الكاسيات العاريات، أي من «الأرتيستات»!

ومن طريف ما وقع لي أنني مررت في إحدى قدماتي بغداد لمّا كنت مدرّساً فيها بمخفر الرطبة، فوقفَت سيارة فيها إحدى


(١) صدر البيت: «مات الخليفةُ أيها الثَّقَلان». وهو بيت مختلَف في نسبته، نَسَبه ابن رشيق القيرواني في «العمدة» إلى أبي العتاهية، ونُسب في غير ذلك من مصادر الأدب إلى شاعر مجهول أو إلى بعض الحمقى، وهو في بعض كتب الأدب في رثاء المهدي وفي أكثرها في رثاء المتوكل. قال أبو هلال العسكري في كتاب «الصناعتين»: لما مات المتوكل أنشد رجلٌ جماعةً: «مات الخليفةُ أيّها الثَّقَلانِ». فقالوا: هذا أشعر الناس فإنه نعى الخليفة إلى الإنس والجنّ في نصف بيت. ومدّ الناسُ أبصارَهم وأسماعهم إليه فقال: «فكأنني أفطرتُ في رمضان»، فضحك الناس وصار شُهرة في الحمق (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>