هؤلاء البنات، فلما جاء الموظف يدوّن اسمها ونعتها وجد في الجواز أن مهنتها «أرتيست»(ومعنى الكلمة الحرفي «فنّانة»)، فما عرف كيف يقرؤها، فسأل زميلاً له أكبر منه، عراقياً عربياً أصيلاً، كيف يكتب الكلمة، فقال له: أكتب «قحبة»!
أعود إلى حديث الفندق. لمّا رأيت هؤلاء سألت فعلمت أنه يكاد يكون مخصّصاً لهذا الصنف من البنات، وأنهن ينَمنَ حين أقوم لصلاة الفجر ويَقُمن بعد صلاة الظهر، لذلك لا أراهن. فذهبت إلى الشيخ الصواف فقلت له: تدري أين أنزلتني؟ فلما خبّرته كان عجبه أشدّ من عجبي. وفهمت لماذا كان الشباب إذا سألوني أين نزلت يُدهَشون من سماع الجواب: الشيخ الطنطاوي يُنزله الشيخ الصوّاف بين القِحاب!
وكان عديلي الشيخ ماجد الخطيب (رحمه الله) يسكن يومئذ بغداد، وزوجته شقيقة زوجتي وبيني وبينها رضاع فهي لا تحتجب مني. وكان أخوه الأستاذ محمد كمال يكرّر دعوتي لأنزل في الدار فكنت آبى خشية الإزعاج، فلما رأيت ما رأيت قبلت الدعوة وتركت الفندق وذهبت إلى الدار.
* * *
جدّدَت لي هذه الرجعة إلى بغداد ذكرى أيامي فيها. قابلت إخواناً لي وتلاميذ، منهم من بقي على العهد وقليل منهم تنكّر لي ونسي صحبتي. وممّن لم أجد له عهداً طالبٌ كان أديباً وكان يَنْظم الشعر، وكنت أخصّه برعايتي وأدلّه على طريق النبوغ في الأدب، فلما عدت صار عميد إحدى الكلّيات. ودُعيت إلى إلقاء